الثقافه بين لغة الصوره ولغة الكتاب

رؤيا أدبية ونقدية جريئة أودعها الناقد مراد كاسوحة في أواخر تطلعاته ومشروعاته النقدية كشفت النقاب بوضوح عن جرح الثقافة والمثاقفة لابل وضعت الدواء في متناول اليد أمام المتشغلين والمشتغلين بالحقل الإبداعي والنقدي على وجه الخصوص 0 وهذه الرؤيا جاءت عبر نظرة الناقد كاسوحة للهوة والبون الواسع بين لغتي الصورة ووسائلها وأدواتها وهي في

غمار بحثها عن التقنيات الأقوى ولغة الكتاب على ما فيها من جماليات وطمأنينة ثقافية ذات مردود ومضمون قادر على التحريض وفتح الآفاق أمام المتلقي 0 المشهد الثقافي الآن : وقد رأى كاسوحة أن الثقافة العربية شهدت خلال العقود القليلة الماضية تراجعا في الاتجاهات العقلانية والتنويرية التي نادت بها منذ نشأتها أوائل القرن الماضي والى اليوم عندما حاولت إنشاء مشروعها المستند إلى على أسس استيعاب مقومات الحضارة الحديثة والتفاعل معها والانفتاح على فضاءات العالم دون التنكر لملامح الموروث الثقافي الايجابية التي تستطيع أن تنسجم مع معطيات العصر 0 غير أن هذه الاتجاهات الثقافية واجهت عراقيل وضعتها أمامها المؤسسات المتنوعة من اجل تدجين وتطويع الثقافة وإلحاقها بالسلطة 0 دور إعلامي سلبي : واعتبر الناقد كاسوحة أن الإعلام لعب دورا سلبيا ضد الثقافة خاصة وانه الخاضع للمؤسسات وهيمنتها اوالشركات الخاصة ونفوذها وهذه الأخيرة ليست معنية إلا بكسب المزيد من الأرباح مما ساهم في تكريسه ( الإعلام ) للثقافة الاستهلاكية والتابعة وفتح اقنية متعددة للاختراق الثقافي والغزو الفكري الذي مارس دورا نشطا ضد الثقافة الجادة ووما زاد الطين بلة تنحي الدور الريادي للمثقف خلال صياغة المشروع الوطني بعد الاستقلال وانفراد السلطة بهذا الدور بعد أن سبق لها واستغنت عنه 0 واستنتج الناقد كاسوحة أن إشكالية الثقافة اليوم أصبحت رهنا بالوضع التاريخي والبعد الاجتماعي الذي تدور في فلكه حيث جاء الاعلام ليحل محلها كسند أساس ومروج دعائي في حين تباعدت المسافة بين السلطة والمثقف وفتح الإعلام طريقاً عبرت من خلاله السلطة نحو الجمهور الذي وجد نفسه بعيدا عن المثقف تحت التأثير الإعلامي المبرمج معنى الثقافة والإعلام : وببساطة فقد عرف كاسوحة الثقافة بأنها العملية التي تعنى بتنمية العقل عن طريق التعليم وتعنى بتهذيب الذوق أيضا وهي مجموعة المعارف والمعتقدات والفنون والأخلاق والقانون وهكذا فنحن أمام مفهوم عام للثقافة يعني طريقة ووسائل الحياة كاملة 0 في حين أن الإعلام وفق كاسوحة يأتي في مستوى أدنى من هذه القيم الحضارية باعتبار أن الثقافة وفق المنظور الأعلى يتميز عن الإعلام بان الأولى تعطي الأولوية في نشر العلم والوعي والمعرفة باعتبارها الإبداع الإنساني الجماعي المتراكم أما الإعلام وفق هذا المفهوم فهو مجرد وسيلة لنشر المعلومة أو الصورة أو الأخبار عنها 0 غير أن الذي حدث الآن هو هذا الانقلاب المريع في المفاهيم والأدوار فاحتل الإعلام الدور الريادي في الهيمنة على الرأي العام وتوجيهه 0 دور المثقف ؟؟ وأكد الناقد كاسوحة أن استعادة الثقافة لدورها الفعال الذي كانت تقوم به وهي في ذروة عطائها يتوقف على دور المثقف الذي يتعامل بروح نقدية مع الواقع من جهة ومع السلطة من جهة ثانية دون أن يتجاوز التراث والمعاصرة والمصالحة بين هذين المفهومين بهدف إنتاج ثقافة جادة ترمي إلى تحقيق الديمقراطية وتخليص الإنسان من الاستلاب 0 ورأى كاسوحة المشهد اليوم بأن صورة الإنسان العربي تجد نفسها محشورة أو محاصرة في قضية المعرفة بين تيارين أولهما ليبرالي يؤمن بالحداثة أو ما بعدها وهو منبهر بكل ما يأتي من الغرب على كافة الأصعدة الثقافية والاقتصادية والمعرفية معتبرا انه المثل والقدوة 0 والتيار الآخر سلفي استطاع أن يحتل مكان الصدارة كبديل عن الأحزاب القومية واليسارية والتيارات العلمانية التي تراجع دورها 0 في السنوات الثلاثين الأخيرة وهذا التيار يعزف على مفردات الأصالة والتراث والقيم الدينية التي تحرك الوجدان الشعبي وتدغدغ عواطفه وبسبب خيبة أمل هذا الوجدان مما آلت إليه أوضاع الراهن العربي بد إفلاس الخطاب القومي وانحساره 0 مقتل الثقافة !!! واعتبر كاسوحة ان الانتقال من المركز الى الهامش هو ما اسماه المقتل الحقيقي للثقافة ومنتجها وما يعمق اغتراب المثقف أكثر هو اداركه وإحساسه بآن معا بهذه الهامشية التي وضع فيها قسرا وهو الذي حمل عبر عشرات السنين لواء الفكر التنويري والليبرالي والنهضوي 0 خلاصات حول المشروع النهضوي : ورأى كاسوحة أنه وضمن هذا المشهد يقف الإنسان العربي وهو في حالة اغتراب إذ انه وبعد أن كان يمثل له المثقف العربي المثل الأعلى والقدوة إذ به يتجه مرغما نحو الإعلام على تنوعاته وجاذبيته 0 وتراكمت هذه الإحساسات حتى أصيب المشروع العربي النهضوي التنويري الذي انطلق قبل قرن كامل تقريبا بسلسة من الانهيارات التي أدت إلى تآكله وأصبحت السلطة تخاف المثقف وتحاول التخلص منه إما عن طريق الاحتواء أو التهميش ومنعته من إقامة صلات عضوية بينه وبين أفراد المجتمع الأمر الذي انشأ فجوة بينه وبين الجمهور واحتل الإعلام المنظم بضجيجه وصخبه وبريقه الساحة وسيطر على أمزجة ومشاعر أذهان الملايين وانحسر أيضا دور المثقف بدءا من هزيمة أو نكسة ( 1967 ) وهو الذي حمل عبر هذه السنين لواء التحرير وبناء الدولة الوطنية والمجتمع المدني 0 أسواق ثقافية ؟؟ ورأى كاسوحة أن سوق القيم الثقافية المعولمة والمسلوة لم تعد بحاجة الآن إلى المثقف ليعطي رأيه في هذه أو تلك القضية فقد أصبحت اليوم الحالة على شكل سوق يحتاج إلى معلومات وحسب تضخها فيه أنظمة الاتصالات وشبكة الانترنت والفضائيات التي تمنح عطاءاتها بسخاء للإعلام البصري والسمعي قاذفة بالمثقف والكتاب إلى الصفوف الخلفية للمشهد الإعلامي الذي زعزع مملكة المثقف 0 وما كان من فعل ثقافي عالمي أو قومي حيث نشرت الثقافة فيمل سبق هذا المشهد وسلطانه وسطوته قيم التنوير والعقلانية والتسامح ودعت إلى التوازن بين جميع المؤسسات والأديان والاثنيات 0 فثقافة الكلمة المقروءة كانت تخلق لدى الإنسان مقدرة على التخيل والتحليل والتأمل والنقد وإنتاج موقف واضح حيال هذه القضية أو تلك 0 في حين أن الثقافة الاستهلاكية ( المتعولمة ) القادمة من التلفاز ووسائل الاتصالات الحديثة تتسلسل وتتشكل بكل سهولة ويسر إلى الأذهان فتترك فعلها المخدر فيه وتقتل مقدرة الإنسان على التحليل والنقد وتحول به إلى مجرد متفرج 0 وانتهى كاسوحة إلى رؤيا اسقط فيها انطباعه النقدي الجريء الذي رأى فيه أن الإعلام اليوم لعب دورا سلبيا في تسطيح الثقافة الجماهيرية من خلال الصوت والصورة اللذين احتلا مكان الكلمة المقروءة خاصة وأن التلقي السهل والكسول للصورة أضحى السمة السائدة والوسيلة الأولى للمعرفة السلبية للمتلقي كما تنحى عند المتلقي الحس النقدي والذائقة الثقافية الرفيعة وتضاءلت فاعلية التأثير على الرأي العام 0 وختم رؤيته باعتبار ظاهرة الاغتراب عند المثقف والإنسان العربي بصورة عامة موزعة بين ارث ثقافي متنوع وغني استمده من تاريخ حافل بالعادات والقيم والمثل وبين اجتياح إعلامي وافد من كل حدب وصوب يحمل خلاف ما ألفناه أو نشأنا عليه 0 وطرح تساؤلا مهما حول الاستمرار بالانتظار الذي يقف عنده المواطن العربي مذهولا وهو يتفرج على ما يجري من حوله وما إذا كان هذا المثقف بالتالي سيستمر أيضا متلقيا مسلوبا وهو في الحقيقة أشبه بمن يقف على هامش التاريخ !!‏

خالد الرواضيه

السلام عليكم اخ خالد
مشكور حبيبى على جهدك الشاق فى كتابه هذا
الطرح الجميل
تقبل مرورى اخى وفى انتظار المذيد
اخوك كيمو

الثقافه بين لغة الصوره ولغة الكتاب Mysdeqor70iq

سلمت يداك على موضوعك بانتظار مزيدك