يقول الراوي
-1-
بينا نحن عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه في يوم يعرض فيه الديوان إذ مر به رجل أعمى , أعرج , قد عنى قائده , فقال عمر حين رآه وأعجبه شأنه : من يعرف هذا ؟ قال رجل من القوم : هذا رجل من بني صبغاء , بهله بريق , قال : وما بريق ؟ قال : رجل من أهل اليمن ؟ قال : أشاهد هو ؟ قال : نعم , فأتي به عمر فقال : ما شأنك وشأن بني صبغاء ؟ قال : إن بني صبغاء كانوا اثني عشر رجلا , وإنهم جاوروني في الجاهلية , فجعلوا يأكلون مالي , ويشتمون عرضي , وأنا أشتهيهم وناشدتهم الله والرحم , فأبوا علي , فأمهلتهم حتى إذا كان الشهر الحرام دعوت الله عليهم , وقلت : اللهم أدعوك دعاء جاهدا * اقتل بني صبغاء إلا واحدا – ثم اضرب الرجل فذره قاعدا * أعمى إذا ما قيد عنى القائدا فلم يحل الحول حتى هلكوا غير واحد , وهو هذا كما ترى قد عنى قائده , فقال عمر : سبحان الله إن في هذا لعبرا وعجبا
-2-
فقال رجل آخر من القوم : ألا أحدثك يا أمير المؤمنين مثل هذا وأعجب منه ؟ فقال : بلى , قال : فإن رجالا من خزاعة جاوروا رجلا منهم , فقطعوا رحمه , وأساؤوا مجاورته , وإنه ناشدهم الله والرحم إلا أعفوه مما يكره , فأبوا عليه فأمهلهم حتى إذا جاء الشهر الحرام دعا عليهم فقال : اللهم رب كل آمن وخائف* وسامعا هتاف كل هاتف - إن الخزاعي أبا تقاصف * لم يعطني الحق ولم يناصف – فاجمع له الأحبة إلا لاطف * بين القران السوء والنواصف أجمعهم في جوف كل راجف قال : فبينا هم عند قليب ينزفونها , فمنهم من هو فيها ومنهم من هو فوقها تهور القليب بمن كان عليها وعلى من كان فيها وصارت قبورهم حتى الساعة , قال عمر : سبحان الله إن في هذا لعبرة وعجبا
-3-
فقال رجل من القوم الآخر : يا أمير المؤمنين ألا أخبرك بمثل هذا وأعجب منه ؟ قال : بلى , قال : فإن رجلا من هذيل ورث فخذه التي هو فيها , حتى لم يبق منهم أحد غيره , فجمع مالا كثيرا فعمد إلى رهط من قومه , يقال لهم : بني المؤمل فجاورهم ليمنعوه , وليردوا عليه ماشيته , وأنهم حسدوه على ماله ونفسوه ماله , فجعلوا يأكلون من ماله , ويشتمون عرضه , وأنه ناشدهم الله والرحم إلا عدلوا عنه ما يكره , فأبوا عليه , فجعل رجل منهم يقال له : رباح , أو رياح يكلمهم فيه , ويقول : يا بني المؤمل , ابن عمتكم اختار مجاورتكم على من سواكم , فأحسنوا مجاورته , فأبوا عليه فأمهلهم حتى إذا كان الشهر الحرام دعا عليهم , فقال : اللهم أزل عني بني المؤمل * وارم على أقفائهم بمنكل – بصخرة أو عرض جيش جحفل * إلا رباحا إنه لم يفعل قال : فبينما هم ذات يوم نزول إلى أصل جبل انحطت عليهم صخرة من الجبل , لا تمر بشيء إلا طحنته , حتى مرت بأبياتهم فطحنتها طحنة واحدة , إلا رباحا الذي استثناه , فقال : سبحان الله إن في هذا لعبرة وعجبا
-4-
فقال رجل من القوم : ألا أخبرك يا أمير المؤمنين مثله وأعجب منه ؟ قال : بلى , قال : فإن رجلا من جهينة جاور قوما من بني ضمرة في الجاهلية , وكان رجل من بني ضمرة يقال له : رميثة يعدو عليه , فلا يزال ينحر بعيرا من إبله وإنه كلم قومه فيه , فقالوا : إنا خلعناه , فانظر أن نقتله , فلما رآه لا ينتهي أمهله حتى إذا كان الشهر الحرام دعا عليه , فقال : أصادق رميثة يال ضمرة * أن يسر الله عليه قدرة _ أما يزال مشارف أو بكره * يطعن منها في سواء الثغره – بصارم ذي رونق أو شفره * اللهم إن كان بعدي فجره – فاجعل أمام العين منه جذره * يأكله حتى يوافي الحفره فسلط الله عليه أكلة فأكلته حتى مات قبل الحول , فقال عمر : سبحان الله إن في هذا لعبرة وعجبا , وإن كان الله ليصنع هذا بالناس في جاهليتهم لينزع بعضهم من بعض , فلما أتى الله بالإسلام أخر الله العقوبة إلى يوم القيامة , وذلك أن الله تعالى قال : { إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين } ( الدخان : 40 ) , { بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر } ( القمر : 46 ) , وقال : { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى