الدين النصيحة وعن تميم الداري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
الدين النصيحة ثلاثا قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم </A>
أخرجه مسلم.
حديث تميم الداري تميم بن أوس -رضي الله عنه ورحمه- حديث عظيم، قد رواه مسلم وهو عند مسلم غير مكرر، ولو قال هنا لو أنه ذكره وقال اللفظ مثلا لغيره، لأن الحديث رواه أحمد مكررا من حديث أبي هريرة، وعنده في اللفظ الآخر
إن الدين النصيحة </A>
من حديث تميم نعم، ولو قال واللفظ لأبي داود يعني رواه مسلم واللفظ لأبي داود لأنه عند أبي داود
إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة </A>
كررها ثلاثا.
عند مسلم:
الدين النصيحة. قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم </A>
وهذا الحديث جاء من حديث أبي هريرة ومن حديث ابن عباس وعند أحمد، وضعفه البخاري وجماعة، وقالوا: لا يثبت إلا من حديث تميم، وما جاء من رواية غير تميم فإنه وهم.
ورواية أبي هريرة عند أحمد ظاهر سندها السلامة ومحتمل يقال: إنه أيضا حفظ عن غير تميم، لكن لأئمة الحديث نقد خاص في الأخبار يجزمون بعدم صحته، ومنهم من يخالف ويقول: إذا ثبت السند فلا يجزم إلا ببينة ظاهرة الوهم في ذلك، وبالجملة الخبر ثابت كما في صحيح مسلم من حديث أبي رقية تميم بن أوس الداري -رضي الله عنه- وقد أسلم في العام التاسع للهجرة، ومن أعظم مناقبه -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- روى عنه حديث الجساسة الطويل الذي رواه مسلم في آخر صحيحه، برواية الشعبي عن فاطمة بنت قيس -رضي الله عنها- الحديث العظيم الطويل.
وهذا الحديث فيه نصائح
الدين النصيحة </A>
حصر الدين في النصيحة، فدل على عظم أمر النصيحة، فإذا كانت النصيحة هي الدين والدين هو النصيحة، معنى ذلك أن النصيحة هي الدين كله؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث جبرائيل في الصحيحين، حديث أبي هريرة، وصحيح مسلم حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما أخبرهم عن الإسلام والإيمان والإحسان قال في آخره:
هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم </A>
جعل الدين هو هذه المراتب الثلاثة، وهنا جعل الدين هو النصيحة، فدل على أن النصيحة مشتملة على مراتب الدين الثلاثة، فيبين لك عظم أمر النصيحة.
وذلك أن النصيحة من نصحت الشيء إذا خلصته، تقول: نصحت العسل من الشمع إذا خلصته، يعني إذا خلصته من الشمع، فهي الاجتهاد في بذل النصح والصدق في ذلك فيمن تنصح له
الدين النصيحة كررها ثلاثا، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله </A>
والنصيحة لله -عز وجل- هو العمل بكتابه - سبحانه وتعالى- بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وبتعظيمه - سبحانه وتعالى- حق التعظيم بمعرفة قدره - سبحانه وتعالى- بعظيم أسمائه وصفاته، وأن يتعبد بمقتضى ما دلت عليه الأسماء والصفات، وأن يؤمن بأسمائه وصفاته وإلهيته وربوبيته - سبحانه وتعالى- على الوجه اللائق بصفاته وأسمائه بلا تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
وكذلك لله ولكتابه، والنصيحة لكتاب الله هو العمل بما دل عليه الكتاب: بتلاوته، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وتلاوته على الوجه الذي فيه عمل به، والاجتهاد بتلاوته آناء الليل وآناء النهار، مع ذكره - سبحانه وتعالى-، وأعظم الذكر هو تلاوة كلامه وكتابه، النصيحة لله.
"قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله" والنصيحة للرسول -عليه الصلاة والسلام- هو اتباعه -عليه الصلاة والسلام- والاقتداء به ونصرة سنته، والدعوة إليها والذب عنها وعن حياضها، وفداؤه -عليه الصلاة والسلام- بالنفس والنفيس، هذا هو النصح لرسول الله -عليه الصلاة والسلام- وفداؤه بعد موته بأن يكون بسنته عاملا، إليها داعيا، عنها ذابا، ذابا عن عرضه -عليه الصلاة والسلام- مجتهدا في إقامة الدين.
والنصيحة لأئمة المسلمين بأن ينصح لهم، وأن يبذل النصيحة لهم بإرشادهم وتوجيههم بالنصح، يناصحهم ويدلهم على الخير، لأئمة المسلمين وعامتهم وجمع القلوب عليهم على ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، على الكتاب والسنة، وتحذيرهم من أهل البدع والضلالات، وبيان ما يجب عليهم من إقامة الحدود والحفاظ على الحقوق، والذود عن حياض الإسلام، وحفظ حرمات المسلمين، وحفظ حوزة الدين؛ لأن هذا من أهم المهمات، للقيام بأمر الله - سبحانه وتعالى-، وبيان أن من قام بهذا فإنه يقوم أمره في الدنيا وتكون عاقبته حسنة عند الله - سبحانه وتعالى-، بل تكون حسناته أعظم الحسنات وأجلها، لأن الحسنات من الكبار يعم نفعها لعموم الناس.
ولهذا كان بذل النصح لهم هو الاجتهاد في بيان الخير لهم وحثهم عليه، وتحذيرهم من الشر، وإذا أراد الله بخليفة أو إمام أو والٍ خيرا جعل الله له وزير صدق ينصح له ويدله ويرشده، وإذا أريد به سوء جعل له وزير سوء يزين له الباطل ويحسنه له، ولهذا وجب على كل ناصح أن ينصح لله - سبحانه وتعالى- ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، والحرص أن يكون بطانة خير لكل مسلم وقربى وجار وصديق وصاحب، ومصاحب في السفر، يكون بطانة خير، وهذا إذا وجد كانوا ممن أريد به خير، كل بحسب ولايته.
وما من والٍ إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالسوء وتدله عليه، ومن وقي السوء فقد وقي، ومن وقاه الله -عز وجل- من بطانة السوء فقد وقاه الله - سبحانه وتعالى- وفي لفظ:
من عصم فهو المعصوم </A>
فهذا من أعظم النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، ومن النصح لأهل الخير ولأهل العلم، وجمع القلوب عليهم وتأليفها، وعدم التنفير، وعدم التفريق، بل الواجب أن يكون ناصحا لا معيرا، وجامعا لا مفرقا، وقاصدا وجه الله لا يقصد بذلك ظهور نفسه أو غلبتها، بل يقصد الحق والصدق، ولا يبالي بأي وجه ظهر الحق معه أو مع غيره.
وهذا هو النصح الذي من سلكه كان صادقا في سره وعلنه، وموفقا ومسددا، وهذا هو الواجب على كل عالمٍ وداعٍ إلى الله - سبحانه وتعالى- ولو فاته بعض الأشياء؛ لأن همته في ظهور الدين، وظهور أمر الدين لا أن يظهر هو أو أن تظهر حجته لا، أن يقصد بذلك وجهه - سبحانه وتعالى- ولهذا كثيرٌ ما يكون بين أهل العلم، أو بين الدعاة إلى الله شيء من هذا.
وقد نبه العلامة ابن رجب -رحمه الله- في رسالة له رسالة حسنة قيمة أوصي بقراءتها وتكرارها، وهي رسالة مختصرة لكنها مهمة فيها من الآثار والأدلة والكلام الحسن المتين الشيء الكثير، رسالة مختصرة جدا لا تجاوز عشر صفحات أو أكثر أو أقل، وهي الفرق بين النصيحة والتعيير، رسالة الفرق بين النصيحة والتعيير، ومما ذكر: أنه ربما أنكر منكرٌ قولا من الأقوال لبعض أهل العلم، ويكون هذا الذي قال القول يكون به مخالفا لغيره، ولهذا قال: ربما أن يكون قصده أن يظهر قوله وأن يبرز قوله بذلك، وهذا هو باطنه في نفسه، وقصده في داخلة نفسه، ولم يقصد النصح لله ولرسوله، فيكون أساء لغيره، وأساء إلى أهل العلم.
وقد يكون المتكلم ناصحا وقاصدا الخير وإن خالف غيره، وأيضا يكون المتكلم في الأمور لا يبالي أن يظهر الحق على لسانه أو على لسان غيره، ولهذا لما سئل حاتم الأصم قيل له: أنت رجل أعجمي لا تفصح وما خاصمك أحدٌ إلا قطعته، كيف يكون هذا؟ قال: إني أفرح إذا أصاب خصمي، وأحزن إذا أخطأ، وأحفظ لساني عنه أن أقول فيه سوء، فلما بلغ الإمام أحمد -رحمه الله- قال ما أعقله من رجل. وهذا أيضا روي عن الشافعي -رحمه الله- وغيره.
والمفروض أن المسلم ينصح ويعتاد النصح، والنصيحة كما تقدم عليها الدين كله كما في هذا الخبر. نعم.
<td align=left width=25 cellpading="0" cellspacing="0"> |
اخيكم خالد الرواضيه