حوار بين الذات والواقع ...

حوار بين الذات والواقع

من الواضح انه عندما يجد الانسان نفسه عاجزا عن تقبل الواقع..فهو فاشل.وعندما يتعذر عليه الانفلات من شباك الذكريات فهو ضعيف،أما عندما يحترق هذا الانسان في لحظات الزمن المرير ويحن الى الماضي باستمرار فهو مثالي وخيالي...لكن ما يحدث عندما يقرر الشخص ترك كل شيئ للحاضر؟ماذا يحدث عندما يتخبط الشخص في اوحال الاحزان ويسبح مسارعا أمواج المعاناة العاتية؟ماذا يحدث عندما يعيش الفرد في شرنقة التمثلات وفي بوثقة الاستيهامات؟
كل هذه الأسئلة طرحت كي تكون قنطرة أعبر من خلالها الى الحديث عن قصة صديق يدعى ")")الجريح")") التي رواها من خلال لقاء معه تمت على بساط يسميه" بساط الذكريات"..:جلس جلسة القرفصاء،ووضع يديه على راسه،فقرر ان يبدأ سرد قصة حياته_هذا بعد الحاحي الشديد_فقال متحصرا:آه يا صديقي،فعلا انا لا أعرف من أين سأبتدئ ولا بماذا سأختم،لكن ما اعرفه أنه الآن وبالتحديد أقر وأعترف أنني قد غيرت فلسفة حياتي في عديد الأحيان...اقر وأعترف أني الآن قد قررت الانصياع لأحكام السيد الجبار..لأحكام القدر..كانت الأفكار التي تسيطر علي هي: ان الواقع مادي،والانسان عاقل،وما دام الانسان عاقلا فهو قادر على كبح المادي الجامد...وبالتالي امكنني اختصار فلسفتي في ما يلي:أنا انسان متفرد بعقلي عن باقي الموجودات،وما دمت أملك عقلا مفكرا فلن أجد أدنى صعوبة في تغيير الواقع بالشكل الدي أحبه وأهواه...
لكن سرعان ما تغيرت فلسفتي ذلك التغير الجذري،فرحت أعتقد أنه يتعين علي التأقلم مع هذا الواقع وتوليد فلسفة جديدة،كنت مكبل اليدين فرحت أقول:ما دمت قد منحت قلبي لغيري فأنا الآن مجبر على العيش من دون عواطف ولا أحاسيس،وما دمت قد فقدت الأحاسيس فلن أتجرأ على احتواء الأفكار..أو بالأحرى لن أقدر على ذلك...ومن ثم استسلمت لأمر خطير ألا وهو أنه يتعين علي الرضوخ والاستسلام للواقع وللحقيقة التي مفادها أني سأعيش جثة وشيئ منتميا الى عالم الماديات...قطعت أشواطا كبيرة بهذه الفلسفة،اذ كنت أقول:"ما دمت قد رضيت بالعيش شيئا،فلا داعي للاكتراث لأحداث هذا العالم الذي لا يرحم"..
للأسف تبعثرت أوراقي من جديد،وهذا ما يزيد من أحزاني فأنا كباقي الأناس أحلم بالاستقرار..حتى وان كان هذا الاستقرار قابعا في بركة الاوحال أو في رثاث الأحزان،لا يهم أين وعلى ماذا سأستقر لكن المهم هو الاستقرار والثبات على وضعية واحدة...هذا الحلم جعل الفلسفة التي تبنيتها لأيام كثيرة تنقلب رأسا على عقب.اذ خففت قليل من حدة تجاهلي لنفسي...كنت أتمنى أن يكون هذا التخفيف بمثابة ذلك البطل الخارق الذي سينقذني من براثن اليأس...فرحت اقول:انه يتعين علي اعادة القليل من الاعتبار لنفسي،لكن بالموازاة مع ذلك لم أستطع التحرر بصفة نهائية من الفلسفة القائلة:من خسر الكثير والكثير فلن يكترث بخسارة القليل...وفي هذا الصدد استشهد بمثال من أمثلة الواقع:"من فقد زرا من أزرار قميصه في نفس الوقت الذي كان يشاهد فيه انهيار منزله فلن يكترث لذلك،لأن فقدان الزر في هذه الحالة مهمل أمام انهيار المنزل"..
تواصلت نوبات التجديد والتغيير في افكاري،وتواصل عدم الاستقرار والثبات...فتبنيت الزاميا وقسرا وللمرة الرابعة فلسفة جديدة بأفكار مغايرة،فأعدت القليل من العواطف والأحاسيس الى ربوة جسدي وقررت اعادة تشغيل تلك المضغة القابعة في يسار صدري...لكن للأسف صدمت عندما اكتشفت أني لا أملك قلبا كي أشغله،فقلبي قد منحته لغيري.وما دام هذا الغير متواجدا في سجل الماضي،فان هذا القلب قد ضاع...وهنا أطلقت حملة البحث عنه.لم أستطع البحث لوحدي فقررت الاستعانة بانسان آخر قد يتمكن من استرجاع قلبي من دوامة الزمن الذي ولى.ومقابل هذا الجميل سأمنح له ذلك القلب الى الأبد...لكن ولسوء الحظ لم أجد ذلك الانسان المناسب الذي يفهم مخططاتي...فكان علي التفكير في طريقة أخرى مفادها:ما دمت لم أعثر على ذلك الانسان في العالم المادي المحسوس،فانه يتعين علي الرحيل بعقلي الى عالم آخر قد أجده فيه...فكان عالم الاستيهامات والتمثلات هو العالم الأنسب،فرحت أثبت على فلسفة أخرى وهي:"ان الاستيهامات والتمثلات هي الحقيقة اليقينية"...فتفقت أغوص في أعماق الاستيهام،وهناك تخيلت أني قد استعدت قلبي بفضل العثور على الانسان الخيالي المناسب_ربما حولت صورة ذلك الانسان من الواقع الى الخيال_..تولدت لدي أنماط أخرى من السعادة..السعادة الخيالية الزائفة...ليس مهما ما ان كانت فانية أم لا..لكن المهم هو أن هذه السعادة المزيفة تخفف من حدة آهاتي...
بهذه الكلمات أنهى صديقي ")")الجريح)")" قصة حياته التي تخللتها أحداث التغيير والتجديد،اذ قطع أشواطا كثيرة ليصل الى فلسفة لا أعتبرها حلا_ مع كل شيئ_...
أفكاره تحولت من الهيمنة على الواقع،الى محاولة التأقلم معه،ثم الى الرضوخ له،فالسعي الى التحرر منه،وأخيرا الى الهروب منه وتجاهله من خلال الاستيهام والتمثل...
صديقي ")")الجريح")") مثال حي لعلاقة الذات بالواقع،فهذه العلاقة معرضة باستمرار للتغيير والتجديد...ومن هذا المنطلق يتعين علينا-باعتبارنا اناسا عاقلين- أن نغير تلك الأفكار المتحجرة التي تتحدى الواقع والقدر..فنحن في نهاية المطاف كائنات عاقلة قابعة تحت راية أحكام القدر...ومن هذا المنطلق يتبين أن صديقنا الجريح يدور في حلقة مفرغة،اذ وضع نفسه بين مطرقة أنانية الذات وسندان الواقع..ان الحل لا يكمن في تحدي الواقع أو في الرضوخ له بصفة قطعية أو في السعي الى التحرر منه تحررا مطلقا أو الهروب منه...انما يكمن في تنظيم الصفوف والزحف بخطى ثابتة نحو عالم اسمه "التعامل مع الواقع".ينبغي أن نكون واقعيين وأن يكون تعاملنا مع هذا الواقع مقرونا بقليل من النضج والحنكة...ينبغي أن نوجه ذواتنا بالشكل الذي يتيح نسج علاقات أخذ وعطاء مع الواقع...ولعل أهم أمر ينبغي أن يكون حاضرا في علاقة الذات بالواقع هو العمل ثم العمل...يجب أن نعمل فقط ونترك الأمور الأخرى للقدر...السعادة والحزن والالم والابتهاج أمور من تخصص القدر...وما لا شك فيه أن القدر لن يعاكسنا اذا واصلنا العمل...وفي هذا الصدد استشهد بأفكار الفيلسوف فولطير:"يجب أن نحرث حديقتنا"..فلنحرث جميعا حديقتنا كي ننعم ونستمتع بالنظر الى أزهار الحياة المتفتحة وكي نبتهج باستنشاق رائحة عطرها الزكية.

كلمات روعة اخي موسى .....بارك الله فيك
كم جميل ان يكون لدينا فهم ووعي في فهم واقعنا
فكثير منا ما تهوي به السبيل بسبب جهله لذاته وواقعه
كتبت فابدع القلم......وفكرت فرسمت العلم...
اشكرك اخي وتقبل مروري
ولك احترامي وتقديري

مشكورة على مرورك أختي دموع الورد

وأشكرك على تعليقك الجميل

والكلمات الحلوة

نورتي

السلام عليكم اخى موسى
سلمت يداك اخى على هذا الابداع الجميل
والمفيد لااجد من الكلمات التى تعبر عن
اعجابى الشديد بكل مواضيعك
اخى موسى
ارجو ان لاتحرمنا من مواضيعك الجميله
تقبل مرورى وفى انتظار المذيد
اخوك كيمو

أسعدني مرورك أخي كيمو

وأشرقت صفحتي بردك الجميل

مشكور

امنيييياتي لك بالتوفيق والله يعطيك الف عافية اخي العزيز موسى على طرحك الراااائع
دمت برعاية الله اخي

سلمت اناملك اخي موسي علي طرحك الرائع .........وليس غريب عليك في اختيارك لاهم المواضيع

تقبل تحياتي

الرائع هو وجودكم الجميل

أخواني أخي طارق وأختي شاهي

نورتوا الموضوع بتعليقاتكم الحلوة

لكم خالص الشكر

» حوار فتاة مع الشيطان ..............
» حوار بين الحب والحزن
» حوار بين الحب والصداقه