الزواج بحث عن شريك العمر

يشكل الزواج رباطا شرعيا يجمع بين الرجل والمرأة، إضافة إلى كونه فضاء تفاعليا داخل المؤسسة الزوجية، هذه الأخيرة التي خضعت لتحولات بنيوية، وشابتها العديد من المتغيرات، ساهمت العديد من العوامل في هذا الانتقال منها البيئة والمحيط والوسط…، لكن قبل العقد الشرعي والتوافق المبدئي، وقبل دخول القفص الذهبي؛ يبقى البحث عن الزوج أو الزوجة أو شريك العمر ، وهي مرحلة تتدخل فيها أطراف متعددة ، ويساهم الكثير في تعبيد الطريق لدخول عالم الثنائية الشرعية بين الرجل والمرأة.
وتختلف نظرة كل جماعة إلى الشريك، باختلاف البيئة والتقاليد والعادات، وهي اختيارات مازالت تخضع للعديد من المسبّقات ، والتي تجعل الاختيار يشوبه العديد من الظواهر والمعطيات.
فهل تغيرت نظرة المجتمع المغربي إلى الزواج؟ وما سبب هذا التغير؟ وهل مازال اختيار الزوجة يخضع لنمطية أم أنه انخرط في عوالم جديدة؟.
طبيعي أن التغير الذي يعرفه المجتمع المغربي في العديد من مجالاته، سيؤثر على طبيعة التفاعل ، ولا يخرج اختيار شريك العمر عن هذا الإطار، على اعتبار أن التحول يطال الأذواق كما يطال الأفكار والعقليات. وهذا ما ينعكس بدوره على طريقة اختيار الزوجة.
ففي القديم كانت الأسرة هي المحدد الوحيد في عملية الاختيار، وهي المكلفة بانتقاء العروس، إذ تكفي "النّية" في نجاح أي زواج أوفشله، مادامت المتطلبات الحياتية بسيطة ولا تخضع لهذا التعقيد الذي نعيشه اليوم، إذ مأدبة من الكسكس في ما اصطلح عليه" كصعة الحلال" والتي تقام على شرف رجال القبيلة أو "الدوار" ،كفيلة بإعطاء الزواج صبغة الشرعية. زواج لا يتعرف فيه الزوجان إلا في ليلة العرس.
وكلما تقدمنا في الزمن إلا وازدادت درجة الصعوبات، نظرا لتداخل العديد من العوامل، والتي تحتم على الفرد الحصول على عمل يمكنه من مواجهة إكراهات الحياة وتعقيداتها، ونظرا كذلك لتزايد طموح الإنسان في توفير شروط قصوى من الراحة المادية قبل الزواج.
وهي شروط تختلف حدتها بين منطقة وأخرى، وبين فرد وآخر. لكن عملية الاختيار مازالت تخضع في العديد من المناطق للكثير من النمطية والتقليدية والغرائبية، ففي الجنوب الشرقي المغربي مثلا، مازال اللجوء إلى"الخطّابة"أ و"الخاطبة"،باعتبارها وسيطا تواصليا، يمكّن كل من أراد اختيار زوجة. وهي حرفة تطورت بدورها، وغيرت آلياتها ومعاملاتها وطرق اشتغالها. ذلك أن حصول الفتاة على عريس يكلف عائلاتها دفع قدر من المال، يزداد بحسب المهنة التي يمتهنها العريس، أو بحسب دخله، فالزواج مثلا ، من رجل يشتغل بالخارج، قد يصل إلى عشرة آلاف درهم"، وبالمقابل يدفع الرجال-وللأسف تطال هذه الظاهرة حتى المثقفين- الذين يريدون الحصول على زوجة تتمتع بقدر كبير من الجمال،أو تنتمي لعائلة ميسورة، دفع مقابل مادي مهم كذلك. دون أن ننسى ارتفاع المهر، الذي يقف حجرة عثرة في العديد من الحالات دون إتمام الزواج.
هذه الثقافة بطرقها البدائية ما زالت سارية المفعول لحد الآن، بل استفحلت بشكل مريب، وهي طريقة كثيرا ما تسبب في العديد من المشاكل، لأن ما أسس على الكذب والطمع والباطل غالبا ما سينهار، ومعدلات الطلاق خير نموذج على ذلك، حيث أن التعديلات والإضافات التي أدخلت على المدونة لم تستطع إيقاف نزيف الطلاق.
وقد تتكفل العائلة في أحايين كثيرة في عملية الاختيار، حيث يتجند كل طاقمها في هذه العملية، وتبدأ الاستشارات والمشاورات، حتى حصول المراد. وما زلت أتذكر أن أحد الشباب، كلفه اختيار زوجة، طرق أبواب أكثر من 30 بيت، في رحلة طويلة ومملة ، لا تراعي شعور الفتيات وعائلاتهن.
لكن المشترك في الفضائين الحضري والبدوي، هو ثقافة زيارة الأضرحة، وخصوصا بالنسبة للفتيات اللواتي يعتقدن أن قطار الزواج قد تركهن في محطة العنوسة، حيث التوسل إلى أوليائها عساهم أن يجوداو عليهن بعريس، وفارس الأحلام الذي تتخيله كل فتاة، وهو ما يحتم عليهن تطبيق التعليمات التي يصدرها القائمون على تلك الأضرحة، من عطايا وأموال وشموع وخرفان وديكَة ودجاج، أ واغتسال بمياه البحر"سبع موجات". وهناك من الفتيات من يلتجأ ن إلى عالم الشعوذة والسحر.
لكن بالمقابل يبقى اختيار الزوجة، يأخذ صبغة أخرى في جغرافيات متنوعة، وهنا تلعب طبيعة العمران البشري دورا كبيرا في عملية التوافق والاتفاق، ففي الحضر مثلا كثيرا ما يتم تحكيم الذات والقناعات الشخصية في عملية الاختيار،إذ يكفي الانسجام في الأفكار، والإعجاب المتبادل، وتتويج ذلك بعقد شرعي، وهي عملية ليست بالسهلة، نظرا للكثير من العراقيل التي تحول دون إتمامها، وخصوصا الجانب المادي الذي يقف حجرة عثرة أمام نجاح الكثير من الأحلام، وبالتالي كثيرا ما تقبر في المهد.
كما أن عامل الثقة ، بين الطرفين يساهم بدوره في تعطيل دورة الزواج، وخصوصا بين الشباب، مما يشجع بالمقابل ثقافة العلاقات غير المقننة.
دون أن ننسى الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام، والتي تعرض منتوجات وأنماط جديدة من العلاقات الإنسانية، و هو ما يولد الرغبة في المحاكاة والتقليد.
يبقى الزواج صعبا عند البعض ، هينا عند آخرين، متعة عند فئة ثالثة، تختلف النظرة تتعدد الآراء، لكن يبقى ضرورة للحفاظ على النوع البشري، وللشعور بالراحة النفسية والعاطفية، إنه قدر يطاردنا في شارع الحياة القصير.
لكن الوصول إلى التوافق بين الرجل والمرأة يبقى مسألة تحتاج إلى نظر، وإلى طرح أسئلة جديدة عساها تساهم في تنوير الرأي العام، خصوصا أمام ارتفاع معدل العنوسة، بسبب العديد من العوامل والأسباب منها الذاتي والموضوعي، لكن تبقى الرغبة والإصرار والأمل، وإعادة الاعتبار للإنسان، وزرع ثقافة المسؤولية والحب وتشجيع الزواج الجماعي، أشياء تحتاج إلى إرادة، ولما نرفع شعار: لنقضي قدر الإمكان على العنوسة.

خالد الرواضيه